غجرية.
قارئة، وأكتبُ أحيانًا.
الأربعاء، يناير 01، 2014
eat, pray,love.
الجمعة، ديسمبر 20، 2013
into the wild.
لماذا أراد "كريس" أن يلقي بنفسه في البرية المقفرة؟ لم يكن ذلك هربًا من أكاذيب والديه فقط، لم يكن ذلك لأنه الشاب المولع بالمغامرة. بل لأنه أراد أن يجرب الحرية في حدها الأقصى، التحرر من كل شيء حتى أساليب العصر الحديث. ذهبَ إلى البر ليعيش حرية الإنسان الأول، الإنسان الذي عرف أن الحرية والجمال البسيط جيدون إلى درجة يصعب تجاوزها بالعودة إلى زيف المُدن.
لفتني المشهد الذي كان يقف فيه "كريس" في ترحاله أمام واجهة مطعم، ينظر إلى الشخص المهندم الوسيم الجالس خلف الطاولة، ويرى فيه نفسه التي كان سيكونها لو لم يقرر الهرب. كان سيكون إحدى خريجي القانون المهندمين، والمتصنعين في ضحكتهم وحديثهم وأخلاقهم. رآه ثم فرّ، فرَّ من الوهم الذي رأى فيه نفسه، كم كان سيتورط في وهمٍ كبير لا يمت بصلة إلى نفسه.
من هذا المشهد عرفت أن المشردون نهاية أكثر حريةً منا، نحن حبيسوا المدن، والمجتمع، والمنازل، والثياب، والمجاملات، والترف. المشردون لا يقيدهم أي زيفٍ، في فوضاهم يمارسون أكثر أشكال الحرية صدقًا.
أذكرُ يوم قلتُ لصديقي أحمد بأن المنازل سجن، وأنني أتمنى لو أكون ابنة الشارع؛ لأن أبناء الشوارع هم الأحرار فعلًا.
كما قالت لانا في المقدمة الشعرية لأغنيتها "ride":
When the people I used to know found out what I had been doing, how I had been living — they asked me why. But there's no use in talking to people who have a home, they have no idea what it's like to seek safety in other people, for home to be wherever you lie your head.
في النهاية مات "كريس" نتيجة تسممه بإحدى الأعشاب التي تناولها في وحدة مغامرته ليسد جوعه المُلحّ. مات وقد علق لافتة عند رأسه يقول فيها بأن السعادة الحقيقية لا تأتي إلا بالمشاركة. ترى هل ندم "كريس" على وحدته في النهاية؟ مازلت محتارة في دمعته الأخيرة أكانت ملوحة ندمٍ أم عذوبة الرضا. لقد دفع "كريس" ثمن حريته بالموت هشّا، شريدًا، وحيدًأ. نهاية مُكلفة لحياة اختيارها بشجاعة دون انصياع.
يحضرني ما قاله قاسم حداد هنا: "الإنسان قربان لحريته" .
الثلاثاء، ديسمبر 17، 2013
before midnight.
استوقفتني الشخصيات التي كان "جيسي" يحكي لرفقته عن نية الكتابة عنها، المرأة الكبيرة التي تظن بأن كل ما تمر به شيئًا كان قد حصل مُسبقًا مما يجعلها تظنُّه تكرارًا للذاكرة. الرجل الذي يفكر في كل ما حوله من على ضفة المستقبل البعيد مما يجعله يبدو متشائما في الغالب، كأن يمسك كتابا ثم يفكر: ترى من سيكون آخر من يقرؤه؟
ذاك المشهد الذي يجتمع فيه الرفقة على مائدة واحدة يتبادلون عليها شكر اللحظات الجميلة، التي سرعان ما تنقلب إلى تبادل خبرات الحياة. تلك الطرفة التي يلقيها باتريك المُسّن على "جيسي": "عندما قابلتك أول مرة قلت يستحيل أن يكون رجلاً بهذا الهندام رجلًا يكتب الرسائل" والحقيقة أن كل هؤلاء الذين يكتبون -في نظري على الأقل- هم الأقرب لبساطة المظهر من تكاليف التهندم والتأنق، القانعون ببساطتهم وقبحهم وقلة ذوقهم في انتقاء قميص جميل، لأنهم يعلمون حقيقة أن جاذبية الأشياء تكمن في تفاصيل أخرى. "ستيفانوس" المهووس بالتحليل البورنوغرافي للأشياء، والذي يعتقد بأن السكايب هو البداية لنشوء ظاهرة حياة جنسية تقنية في المستقبل القريب، حيث يكتشفي الناس برعشاتهم على الشاشات. النبرة الدرامية الاعتباطية التي تشرح بها "سيلين" لـ "آنا" طريقة كسب الرجال بجعلهم ينتصرون في التحديات الصغيرة لتحظى بالجنس في النهاية. والطريقة التي تأخذ بها "ناتاليا" العجوز الجميلة الحديث على موجة أخرى تنضح بحزن الحكمة وهي تقول "بأن كل ما نفعله في الحياة هو العبور" ككل الأشياء نعبر، ولهذا نتلاشى مرات، ونبقى حاضرين في الصورة مرات أخرى. تحكي "آنا" النصيحة التي تركتها لها جدتها في رسالتها محذرة من الانخداع بصورة الحب الرومنسي الجميل. كونه وهم، والحقيقة هي أنّ العمل والصداقها وحدهما اللذان يجلبان السعادة. هذا الاعتقاد يتوافق مع فلسفتي بشكل كبير. لا أدري، ولكني توصلت بشكل ما بأن الحب أتفه بكثير مما ألبسناه إياه من حجم ومعجزات. يقول "باتريك" المسن بأنه أمضى عمرًا مع زوجته لم يكونا فيه شخصاً واحداً قط، كانا اثنين، بغرفتين منفصلتين تجمعها صالة بين الفينة والأخرى، وهكذا عاشا بسعادة ورضى. إن فكرة النصف الآخر هي أكثر الكذبات البشرية توارثاً عبر التاريخ، أغباها على الإطلاق. نحن لسنا بحاجة إلى أحد لنكتمل، ولكننا نتشارك مع الآخرين كإحدى أوجه العيش وخياراته، لا أكثر.
كان مشهدا ملهمًا أحببت تلاقي وجهات النظر فيه بكل ذاك الانسجام. ينقلني ذلك إلى المشهد الذي كان من المفترض أن يكون ليلة حميمة ملونة بالجنس بين "جيسي" و"سيلين" ولكن سرعان ما اكتسح بالشجار. نعم، ذاك النوع من الشجار الأحمق المنتشر بين المتزوجين كالوباء الإنساني العريق. لفتني فيه قول "جيسي" بأنه حاول أن يخلق مساحتهما الخاصة بالرغم من كونهما متزوجان -أعني هو و"سيلين"- والحذر من امتلاك الآخر، يبدولي هذا شيء يصعب على شخص متزوج أن يفهمه، أو يقبله على أقل تقدير. والحقيقة هي أن الزواج دائما ما يكون امتلاكاً للآخر في حقيقته، هذا عقده وهذا معناه. ومن يقول بالعكس يحاول تلميع هذه الحقيقة ورفض الاعتراف بها فقط، إنهم يرفضون الاعتراف بأن الزواج قيد كبير ومخيف وإن تخللته لحظات جميلة وسعيدة.
أحببتُ النهاية المصاغة بأسلوب شاعر لنخاعه، إنها طريقة الكتاب في تسوية الأمور بتلك المعجزة المسماة "الكتابة". في النهاية كان هذا الفيلم بمثابة رهان على أن الكتابة هي الإلهام الذي ينقذ الحياة من قبحها، كلما احتدم المشهد فوحدها مهارة الكلمات والبعد الخيالي ما سينقذك.
الجمعة، ديسمبر 13، 2013
Prozac nation : أكثر من مجرد فيلم
أحد الأفلام التي يصح أن أقول فيها "أصابتني في مقتل"، وتركتني مخضبة بالكثير من البكاء. "ليزي" التي وجدت نفسها منذ فجر مبكر ضالة عن طريق الناس، تبحث عن طريق إلى نفسها المفقودة عبر الكتابة، عن حياة أخرى على كنف الورق. "ليزي" التي مارست الكتابة طويلا حتى صارت لها عملية أكثر تعقيدا من ممارسة يومية. تشبهني "ليزي" بطريقة صارخة في عمقها الماثل نحو الجنون، في الأقاصي المرعبة التي تحتد عندها مشاعرها، في حاجتها الماسة إلى فرصة تنقذها من نفسها، من عمقها الموغل في التعقيد، والكوابيس التي يعيش فيها رأسها مزيدا من القلق ولا ينام. حين صرخت "ليزي" في أوجه رفاقها الذين لا يفهمون بكيت، توحدت في بكائي معها وظللت أردد "أنا أفهم" في لحظة مس فيها صراخها خوفا شاهقا في داخلي.
أفهم قلق ليزي، وأعرف كم يكون مرعبا أن تعجز عن الكتابة، حين يحتشد الكلام في رأسك، وتكاد مواقيت الصبر كلها أن تنفجر، ولكنها لا تفعل، تظل بكل ذاك الإزدحام عالقة في الجهة الخلفية من رأسك، لا سبيل لها إلى الورق رغم أنها تبقى تصخب في بالك دون أن تهدأ.
كبرت "ليزي" طفلة بجراح لا يسعها فؤادها الصغير، مثلي .. تجرعت هموما أكبر حيرة من عمرها الصغير، وحين احتدمت لم تجد من مفر غير السقوط. الاستسلام لحالة سقوط كان لابد أن تأتي لتنقض حزنا عمر على طول السنين. ترى متى تحين لحظة سقوطي؟ متى أفرغ قلبي تماما في سقوط واحد مفجع أستعيد بعده فراغا يحتمل الإقبال على الحياة من جديد؟
ذكرتني "ليزي" بأحوالي الأخيرة وهي تجد نجاتها في مكالمة هاتفية، ذكرتني بمكالماتي الهاتفية المسروقة مع علي، والتي كنت أستنجد بها على عجل من بؤس أيامي. المرات القليلة التي شعرت فيها بوجود رجل يمس قلبي بهذه الخفة، وبأقل قدر من المخاطر. لعلي كنت أكثر نضجا من "ليزي" بعدها، فأنا قد أصبحت أبعد بأشواط من فكرة الانهيار على إثر رجل راحل. الفرق أنني مهما أوغلت رجلا إلى روحي أظل محتفظة بخفتي للعبور في الوقت المناسب، لا للرهانات الكبيرة، ولا للعلاقات المرعبة طويلة الأمد.
كان هذا الفيلم بمثابة فرصة قاسية، ولكن لازمة للتصادم مع شيء سهوت عنه منذ وقت لا أذكره. التصادم الذي خلف نحيبا مخيفا لعواطفي التي ما ظننتها قد تستثار بهذه الحدة مرة أخرى.
نحتاج أن نرى أنفسنا أحيانا من خلال الأشياء، نحتاج أن نحظى بهذه الفرص المفاجئة لننتبه إلى التفاصيل التي جهلناها عندما كنا ماثلين في الصورة، التفاصيل التي ليس بوسعنا أن نعرف بمثولها سوى من خلال أولئك الذين يشبهوننا، ويحملون نصيبا ضئيلا منا.
جر ناعم لـ/ عمر طاهر
الأربعاء، نوفمبر 20، 2013
في معنى تحرير المرأة.
لطالما صنف الرجل نفسه تاريخيا على أنه الأساس، والأعلى؛ وقرر من على عرشه الذي صنعه أن تكون المرأة أدنى منه، يحرم عليها ويشترط ما يشاء.
الأمر أشبه برق العبيد، غير أنه هنا رق للمرأة. فكما وجدت العنصرية اللونية ضد السود عبر تزكية البيض وتمجيدهم، وجدت العنصرية الجنسية ضد المرأة، وكما كان من الناتج عن عنصرية اللون، إسقاط إنسانية العبيد، وامتلاكهم، وإباحة دمهم، والتجارة بهم؛ فإن التمييز ضد المرأة تسبب فيقهرها وإلغاء أهليتها وسلبها الحق في ممارسة ما يمارسه الرجل.
وللأسف فإنه من الناتج عن طول هذه الممارسات تحولها من رق خارجي إلى رق نفسي ومعنوي لدى المضطهد، فقد استمر الكثير من العبيد في النظر بدونية لأنفسهم، واعتبار البيض أسيادا لهم؛ كما تسبب ذلك في غرس اعتقاد لا واعي لدى بعض النسوة بضعفهن ودونيتهن عن الرجل، وأنهن عورات كاملة، مسخرات لخدمة الرجل وإشباع رغباته السريرية.وتجد من النساء من تؤثر بسلبية أفكارها على أبناءها من خلال التمييز التربوي، أو حتى في تشكيل عائق أمام تحرر غيرها من النسوة حولها.
للأسف هذه السلوكيات العنصرية توارثتها الحضارات، ورغم أن النضج الثقافي والإنساني ارتقى بهذه المفاهيم وحد منها، إلا أنها مازالت موجودة لدى البعض من قبيل العادة والتقليد والجهل المعرفي.
لذلك مازال هناك قلة يعتقدون أن إنجاب الذكر فخر، وأنه الذي يحمل اسم عائلته ويرتقي بها، الخ من الترهات الأخرى،حتى أن البعض يمارسون هذه العنصرية لفظيا أو فعليا دون وعي، فيستخدمون لفظة : يا عبد، يا أسود، يا حرمة وغيرها، وكلها منطوية على التمييز والاحتقار.
إن ثورة المرأة خلال السنوات الأخيرة ساهمت بشكل كبير في الحد من هذه الممارسات، ورغم أن البعض من الجاهلين يرفعون أصواتهم ضد هذه الثورات ظانين أنها دعوة إلى الانحلال الجنسي فقط، إلا أن الصحيح أنه حينما نقول بأننا نطالب بتحرر المرأة، فإن ما يعنيه ذلك هو المطالبة بإلغاء التمييز الجنسي ضدها.
العري، في مفهوم فني.
الفن الأيروتيكي أعطى للعري مفهوما أنيقا، بعيدا عن الرخص وتسليع الجسد.
فبالرجوع إلى التاريخ الفني نجد أن الجسد كان لبنة أساس في حمل مدلولات متفاوتة بحسب البيئة الخارج منها هذا الفن، أو حتى بالتفاصيل الأخرى التي تأتي مصحوبة في مشهد الجسد.
لم يحتكر الفن الجسد لاستحضار الشبق والإغراء أو تصوير العشق الماجن، بل تعدى ذلك كله إلى مدلولات دينية، واجتماعية،و تصوير حي لحضارة وثقافة بعينها.
فإذا عرفنا التعري بمنظور ثقافي/ فني فإنه يتلخص في كلمة واحدة دقيقة هي "التجرد Nudity"
فقد افترض علماء الأنثروبولوجيا اليونانيين في الإنسان العري، وصنفوا الاحتشام دخيلا عليه، باعتبار أن الإنسان خلق عاريا، ثم اضطرته الظروف البيئية إلى صنع الرداء، قبل أن يستوعب المفهوم الأخلاقي فيه أو يتعرف عليه.
وقد ارتبط التعري أيضا عندهم بالعبادة، فكانوا يعتكفون في المعابد وهم عراة، وذلك على أساس أن الإله خلقهم كذلك.
وإذا ضيقنا الحديث وتطرقنا إلى الجسد من جوانب فنية بحتة، فإن الجسد دخل التصوير الفوتوغرافي باعتباره عنصرا من الجماد، ثابتا عند اللقطة، وكثيرا ما اهتم المصورون بتصوير الجسد مجردا من الشخصية الإنسانية بعينها حتى لا يؤثر بالشخص على روح المعنى في العمل.
ومن أبرز المصورين الذين عرفوا في مجال التصوير الأيروتيكي Ruth Bernhard و Edward Weston.
وقد لوحظ إفراط استخدامهم لجسد المرأة قديما أكثر من الرجل، لأنهم يرونه الجسد الأكثر صراحة وجمالا، إلا أن الفوتوغرافيا الحديثة خرجت عن هذا الإطار، واستخدمت جسد الرجل أيضا كمحرك فني أساسي.
وحين نتحدث عن الجسد في فن النحت، فإننا نجد أن منحوتات الجسد على امتداد الحضارات منطوية على شعارات دينية وعقائدية، فكثيرا ما صورت الألهة في تماثيل عارية تخليدا لأسطورتها وقداستها.
ولم يخرج الرسم بعيدا عن هذه المفاهيم.إن تطرقنا للموقف الاجتماعي من فن الجسد، فلابد أن نذكر أن الاعتقاد الديني يأتي مؤثرا بالدرجة الأولى على هذا الموقف، فكما رحب اليونانيون بالتعري استنادا على فكرة دينية وهي خلق الإله لهم عراة، فإن الكنائس الكاثوليكية في أوروبا قد حاربت قديما هذا الفن باعتباره فسق وفجور، إلا أنها تحررت مع التقدم الحضاري والثقافي لعموم الشعب من هذا الصد.
إن اتجهنا للمجتمع العربي، فإننا قد نجد حتى اليوم وجود هذه الحساسية تجاه تصوير الجسد بسبب سيطرة العقائد الدينية على الرؤية الثقافية أيضا.
إلا أنه بالحديث عن العرب، يجب أن نتذكر معرض الفن التشكيلي الذي أقيم في معهد العالم العربي في باريس عام 2012، وكان عنوانه "الجسد المكشوف" يهدف من خلاله فنانون عرب في الخروج بالجسد من المفهوم العربي السائد، وهو هدف تحرري وليس استفزازي كما صنفه بعض المحافظين.
تعرضت الأعمال المطروحة في حينه إلى الجسد في كافة حالاته، من المعاناة والألم، إلى اللذة والنشوة، ولم تغفل الأعمال شفافية طرح وضع المرأة المهمشة والمعنفة في العالم العربي بوجه خاص.من أبرز الأعمال في هذا المعرض، الفيديو القصير للفنان عادل العابدين، الذي مرر فكرة تهميش المرأة وتعنيفها بين لا مبالاة رجلين.
https://www.youtube.com/watch?v=drSa9ZKadSg&feature=youtube_gdata_player
إن أردنا أن نستشف المعنى من خلال الجسد أو التعري فلابد أن ننظر له نظرة متأمل متجردة من الأحكام الأخلاقية أو الدينية الحادة والإقصائية، فالعري يحتمل أبعادا أخرى نبيلة وثورية، كما عبرت الفنانة التشكيلية هالة الفيصل عن احتجاجها على الحرب بتعرية جسدها، وكما فعلت الشابة المصرية علياء المهدي بنشر صورها عارية على مدونتها من منطلق التمرد على القيود، وإعلان الحرية.
عن الجسد: ما بين الروح والفضيلة.
الحديث عن الجسد عميق جدا، ممتع ومغري، ومخيف أحيانا لما يحتمله من خبايا.
أول الأفكار التي عرقلت علاقة الإنسان بجسده هي ارتباط الجسد بالخطيئة، وربط الروح بالفضيلة، هذه الفكرة التي صنعت علاقة عدائية بين الروح والجسد، والتي جعلت الإنسان يهمل جسده أو يتوجس منه بدافع الفضيلة
والواقع أن الجسد شيء لا يمكن فصله عن الروح، لأنهما مكونان أساسيين لذاتك الإنسانية .. التناغم هو ما يفترض بالعلاقة بين الروح والجسد أن تكون عليه.
أن ترتقي بروحك فإنه ولابد أن ترتقي معها بجسدك، فجسدك صورة معلنة عن عمق هذه الروح.
حين نتحدث عن الجسد، يجب ألا يفوتنا أن الجسد ليس مجرد واقع طبيعي أو مادة حية، فالجسد يحتمل بعد آخر هو المفهوم الاجتماعي للجسد.
وهذا المفهوم يؤثر على علاقة الإنسان بجسده، ولهذا نجد أن العلاقة شائكة بين المرأة وجسدها بوجه خاص في العالم العربي، بسبب المفهوم العرفي الاجتماعي في تصنيف جسدها على أنه "عورة".
علاقة النساء بأجسادهن مهملة، وكلما دخلت في مجتمع أكثر تحفظ على أجساد النساء، وجدت العلاقة بينهما مهملة أكثر.
نحن كشعب عربي خاصة نفتقر إلى ثقافة الجسد، وفلسفته .. وعلاقتنا به سطحية، لا أبعاد للتصالح والتناغم فيها.
لتخلق علاقة حميمية بجسدك عليك أن تتجرد من التصورات الاجتماعية التي تنصب ضده، اكتشف جسدك، اقرأ عنه، افهمه، افهم رغباته لتحبه.
ستحترم جسدك حين تدرك عمق ما ينطوي عليه، حين تعترف بأنه مادة غير منفصلة عن كيانك.
علاقة الإنسان بجسده تظهر عبر تدليله لهذا الجسد، والعناية به، فالصحة الجسدية و النظافة الشخصية من أهم مقومات علاقة الإنسان بجسده.
أيضا من المهم أن تتصالح مع "شكل" جسدك، والطبيعة التي خلق عليها .. وألا تسمح لأحكام الناس القاصرة والظالمة بالسيطرة على نظرتك اتجاهه.
أحب جسدك ببساطة، شكلا ومضمونا.
الأحد، نوفمبر 17، 2013
لماذا نكتب؟
لماذا نكتب؟
يلح اليوم السؤال، وتبدو كل الأجوبة صحيحة. هو السؤال الذي لا يحتمل المنطقية في جواب، السؤال الذي أقسم على الحياة بحياة أخرى.
لطالما كانت الكتابة فعل حياة، وهكذا سمعت كل من يكتب يشي لنفسه بحياة ينقذ فيها نفسه من الموت الذي نعيشه خارج الورق. بالكتابة حجز كل منا مقعده في الخلود، وقررنا على أنفسنا ألا نمحى كعداد البشر. كان علينا أن نخرج من بشريتنا بالكتابة، أن نتحول إلى فكرة ومشاعر وحروف وكلمات مصفوفة أو مبعثرة ... لا يهم، المهم أن نخرج من عمر الإنسان الذي لا ينفك عن عداد النزول إلى حيث لا تموت الأشياء، في حضن الورق.
منذ بح صوتي في هذه البقعة الجافة من المآسي القدرية، عرفت أنه قد حان الوقت لأنتصف لصوتي وأبعثه في كيان آخر، وكان الورق المالس والأبيض، هذا الناعم الذي يحتمل وزن الكلام والبكاء والفرح وكل حالات الخشوع النفسية، هو أكثر الكيانات شبها بصوتي. هذا الورق الذي لا يدنس مهما تعدينا على بياضه بحلكة المحابر.
كان علي أن أكتب، لأكتشف بأني أولد من فروج الأقلام عارية نقية. لأصادق العالم على وجودي، أعلنت أن أكتب. وحتى إذا ما مرت السنوات على ذكري، وحتى إذا ما أضعت في منافي الحياة بقايا الشخص الذي كنت أريد أن أكونه، كان علي أن أكتب، وأقول للناس بأنني هنا على الورق حقيقية تماما، ناضرة عن شوائب العيش وضرائبه، آمنة من تهديد الأسلحة، وأفواه المجتمع التي تلوك العرايا الساذجين دون أدنى رحمة.
على كل واحد منا أن يواجه هيبة السؤال، وينبش في صدره عن إجابة، عن حياة أراد أن يحياها، حياة لم يعطها القدر تأشيرة مرور ولكنه غصبا صنعها لنفسه وبها.
لماذا نكتب؟
لأن الحياة سيناريو ناقص كان من الواجب علينا أن نتمه على ضفة أحلامنا المؤجلة في الأدراج، ولأن الأقلام علمتنا كيف نحيي في أصواتنا صخب الثورات، وكيف نبكي مرارا دون أن نفضح، وكيف نئن بعيدا ولا نثير امتعاض الآخرين بضخامة أوجاعنا.
الكتابة ممارسة نبيلة، وأنا أكتب؛ لأنتصف لنفسي المظلومة بعدالة أخرى، عدالة لا تعلق على رؤوس السيوف ولا تحضر في قاعات المحاكم.
أنا أكتب؛ لأن العيش هنا، في هذا الزمن، في هذه البلاد، وتحت وطأة ظروفي هذه، وخلف كل هذه الجدران الباهتة الموصدة عيش يحتسب من رصيد الموت لا الحياة، موت سابق لحياة لا ضمانة لي على مجيئها متأخرة، فكان علي أن أكتب، لأبرهن بحجة الكتابة التي لا تسقط ولا تبطل أنني كنت يوما هنا حية.
الأربعاء، يناير 23، 2013
.
في مواسم الخريف، تخنع الأزهار للذبول؛
و تتجرد في أوج احتضارها من علائق العمر القديم،
و تستقبل في موتها ميلادا جديد.
و ها هو الخريف يا الله،
فترفق بطور ذبولي . . حتى يحين الربيع.