الأربعاء، يناير 23، 2013

.


في مواسم الخريف، تخنع الأزهار للذبول؛
و تتجرد في أوج احتضارها من علائق العمر القديم،
و تستقبل في موتها ميلادا جديد. 
و ها هو الخريف يا الله، 
فترفق بطور ذبولي . . حتى يحين الربيع.

.


اخلق سماءً في حُنجرتي يا الله، ليعمرَ غنائي اتساع المدى . . 

محبّة الكون.


لطالما وددت أن أمد كفي لألمس السماء، أن أقبل غيمة ما 
أن أحتضن القمر بين يدي كلؤلؤة صغيرة، و أن أتوسد سطح الشمس و أشتعل ضوءا. 
هذا الكون دافئ . . جدا، أستطيع أن أشعر بحميميته تتفشى في عروقي.
لم نتعامل مع هذه المعالم الكونية البديعة بطريقة جافة؟
إن آيات الكون هذه كلها حية، و لها لغة ندركها بالصمت .. و السكون
إن الأرض تبتسم في الأزهار، و تبكي في هطول المطر. 
إني أغمض عيني في كل مرة و أحتضن نفسي و في داخلي مدى يتسع لاحتضان الكون
و أبكي شوقا إلى هذا الجمال الغير منتهي. . 
أنا أنتمي إلى كل جمال خلقه الله في أرضه. 
أحب الأرض، و السماء، و العشب و الماء و الشجر . . 
أن نتجاوز مادية تعاملنا مع معالم الحياة أمر يسير . . إنه لا يتطلب أكثر من أن نوقظ هذه الروح النائمة خلف حاجات الجسد. 
أيقظوا أرواحكم بالسكون، بالعطاء . . و جربوا بعدها أن تتأملوا السماء
أن تلمسوا سطح الماء. . و أن تحضنوا الشجر. 
و لن تضل المحبة الكونية مرتعها في أرواحكم.

عن المشاعر الإنسانيّة.


المشاعر الإنسانية بحاجة إلى الاحتواء،
أن نحتويها لا أن نصدها و نقصيها. 
الإطلاق في تصنيف بعض المشاعر لا يستقيم؛ 
و لذلك لدي تحفظي الخاص في الأصل على تصنيف المشاعر إلى إيجابية، و سلبية. 
فمعظم المشاعر هي استجابة طبيعية للظرف الحاصل، و لا تكون السلبية هي التعبير الصحيح لوصف الشعور في هذا الظرف؛ بل هو على العكس: نتيجة متوقعة، جبلت عليها الطبيعة الإنسانية و فرضتها أحوال الحياة. 
لا بأس في أن نتعب، و أن نحزن، ما دام هذا التعب أو الحزن وليد ظرفه، بلا ذنب منا أو اختيار. 
من واجبنا أن نحتوي هذا الشعور الوليد حتى نتشبع به ويكتفي منا، و من ثم نتركه يعبرنا بسلام، مفسحا المحل لشعور جديد. 
السلبية تكمن إن أصررنا على صد الشعور، مما سيفضي إلى تفاقمه؛ فلا مفر للإنسان من شعوره مهما ادعى رفضه. 
السلبية قد تكمن أيضا في التشبث بهذا الشعور حتى بعد إنقضاء عمره و ظرفه. 
حين نصر على بلوغ مسلك أو هدف ما، فيقع ظرف ما محيلا الوصول إليه؛ لا تنقبض تجاهه
لعلها -هذه الظروف الخارجة عن إرادتنا- إشارات من القدر لنلتفت إلى وجود طرق أخرى.
إشارة إلى وجود منعطف آخر، بإمكاننا أن نسلكه مستجيبين إلى القدر، طائعين لمشيئة الله فيه.
أو أن نعصيه و نمضي نحو طريقنا الأول الذي اخترناه، و في هذه الأخيرة، سيكون الأمر مرهقا و صعبا، و سيخلف ضريبته فينا من سلبية النتائج و الشعور. . كيف؟
من الأسلم و الأفضل لنا دائما أن نتعامل بمرونة مع معطيات القدر، من منطلق الرضى و الإيمان،
إذ ما من جدوى في تحدي القدر، القدر غالبنا لا محالة! الفرق كل الفرق يأتي محصلة لما نعتقده في هذا القدر، فالظروف واحدة، و لكن أثرها سيتفاوت ما بين الامتنان أو السخط.

.


أشعر بالنعاس، بهذه الرغبة الشديدة في نوم طويل. 
أعرفني و أنا ناعسة جدا، و أعرف هذا النعاس الذي يعتريني إلى حد الحلم في اليقظة. 
ها قد استيقظ الحزن في قلبي، و لهذا أسمع صوت المطر. 
أعرفني حين أنزوي من فوق عتبة الخسائر إلى هذا الركن الساكن في صدري؛
حيث تغفو كل حواسي و يبقى حزني وحده اليقظ،
و ألجأ إلى النوم كما يلجأ الأطفال في الليالي الباردة إلى أحضان أمهاتهم،
أنام كثيرا .. لأعزي خسارتي بالحلم. 
و لكني لا أستطيع أن أتجاهل حزني في النوم أكثر، 
حزني يتضخم عله ينال مني يد وافرة بالرعاية. . 
وقفت اليوم قبالة مرآتي و ابتسمت، 
جذبت بعضا من خصلات شعري و قصصت غرة على جبيني؛
لأن الحزن يطل من عيني .. و ينتظر
الجمال طقس اعتكاف يليق بأحزاني؛
و لهذا كان علي اليوم أن أكون أجمل حتى أنخرط في خشوع كبير مع حزني. 
أحب طريقتي هذه في التعامل مع مشاعري، 
أحب هذه العلاقة المقدسة التي أعقدها بين قلبي و أشيائي. 
أشتاق إلى جبران* حين أغط في حزني. 
جبران، هذا الحبيب الغالي الذي كلما اشتقته، وجدته قريبا .. يسمعني و يهمس لي في كتاب. 
كم أود لو ينبت هذا الحنين غصنا من كتفي، يمتد إلى السماء. 
أنا أنتمي إلى السماء، و كلما انطفأ جفني أصغيت في أذني إلى تغريد الطيور و رفرفة الأجنحة على صدر السماء. 
أنا الفقيرة من كل شيء؛ إلا هذا الإحساس الذي يشعرني بانتمائي. . إلى كل شيء. 
بقدر غربتي، و بقدر ما ضللت في وحدتي الطريق عن صفوف البشر، أحببت الحياة و الناس. 
لطالما كنت مختلفة ..
مختلفة إلى حد لا أشبه فيه أي أحد، و في الوقت عينه، مختلفة إلى الحد الذي أنتمي فيه إلى كل أحد. 

*جبران: الكاتب و الفيلسوف اللبناني المعروف "جبران خليل جبران"