الأربعاء، يناير 01، 2014

eat, pray,love.


كانت إليزابيث امرأةً تبحثُ عن كلمتها الخاصة. فقدت توازن حياتها بحثًا عن توازنها الشخصي، اضطرّت للمرور بكثير من الأسى لتنجح في الوصول إلى ذاتها. انتبهت في خضم فشل زواجها أنها لطالما توّرطت بالآخرين ولم تسمح بمصادقة نفسها عوضًا عن الرجال لفترة. ولعل هذا ما جعلها تُخفقُ كثيرًا، لا يمكن لأحد أن يشارك الآخرين حياةً بنفسٍ تائهةٍ. أرادت إليزابيث التعرف على الله لتجد نفسها، وكان ذاك دافعها للصلاة لأول مرّة. إن الناس يبحثون عن الإله في أكثر مراحل حياتهم حيرة، يبحثون عن الإله سعيًا إلى الطمأنينة. ولأننا كبشر بحاجة لأن نؤمن بأن هناك إله يسيطر على مآسينا حتى لا نفقد إيماننا بالحياة في أوج الفوضى. كانت دموعُ إليزابيث أمام الإله خشوعٌ أكيد. لا أستطيع أن أقول بأن الركوع والسجود أزكى عند الله من دمعة خاشعة، أو غناء صوفي عميق. مهما تعددت الأساليب التي يصلون بها الناس لربهم فإنها تظل صلاة. توجهًا كاملًا باللجوء إلى الذات الإلهية العظيمة. في مشاعر الناس تقوم الصلاة، عند الحيرة والخوف يكون اللجوء صلاةً تامة.
اكتشفت إليزابيث بأن زواجها كان مطبًا كبيرا قبل أن تجد ذاتها، مطّبٌ نست فيه نفسها، ولم تعِ ذلك إلا متأخرًا وعلى حساب شخصٍ آخر، زوجها. كل ذاك الهراء لأجل أنها لم تكن قادرة على الاعتراف بما رغبته منذ البدء. ولأجل ذلك جابت المُدن ترحالًا بحثًا عن الإله، طلبًا للسماح. نحنُ نظن أحيانًا بأننا بحاجة إلى مغفرة الآخرين لخطايانا حتى نرتاح، وكل ما نحتاجه فعلًا هو أن نغفر لأنفسنا. كان على إليزابيث أن تسامح نفسها فقط، هذا ما قاله لها الكهل ريتشارد في النهاية. ريتشارد الذي ندم على كبر ابنه وهو غائب عن حياته. ريتشارد الذي ما زال يحاول أن يغفر لنفسه فقدانه لكل شيء. ابتسمت لشوق ريتشارد إلى ابنه، في الواقع هناك من يكبرون مع أبنائهم وهم لا يعرفون عن أبناءهم شيئا سوى أنهم أملاك خاصة. هناك آباء يعيشون مع أبناءهم ليحولوا حياتهم إلى جحيم لا أكثر. ليت ريتشارد يعرف بأن هناك أبناء يتمنون لو أنهم يفقدون آباءهم إلى الأبد.
ظنَت إليزابيث بأن زوجها قد كرهها لما فعلت، ولكن صديقتها قد طمأنتنها بقول أنه لا يكرهها، وإن قلبه قد كسر فقط.
كم مرة أخطأنا فهم مشاعرنا، ووصفناها بأسماء أخرى؟ نعم، هناك فرق بين أن تكره وبين أن تكون مجروحا، مخذولا ومنكسرًا فقط. لا مفر من الكره، ولكن الجرح كل ما يتطلبه هو الوقت والمساحة الكافية ليطيب.
حينما قررت إليزابيث السفر إلى روما، أرادت صديقتها الذهاب معها، أن تكون معها في خضم التجربة، ولكنها عالقة. أرادت أن تذهب، ولكن لم يعد بالوسع أن تتنصل ما علقت به: طفل، زوج، عائلة، عمل والتزامات كبيرة. الزواج ليس إلا حفرة كبيرة لا سبيل للخروج منها سليما حين يجيء سابقًا لوقته الصحيح.
جميل أن تكتشف نفسك عبر السفر، أن تجرب الثقة في نفسك الوحيدة من جديد. هذا ما فعلته إليزابيث بذهابها إلى روما. لقد جربت متعة أن تتناول السباقيتي بحرية وعبث واستمتاع كامل مع نفسها لأول مرة. أن تستلم لإغراء طبق بيتزا كامل لأول مرة دون أن ينغص عليها شبح الوزن وضرورة ابتياع بنطال جديد. لقد علم الإيطاليون في روما إليزابيث بأن التسلية قد تكون حاضرة في أيامنا، ولكن هناك فرقٌ كبير بين التسلية وبين لذة الاستمتاع بالأشياء. حلاوة أن لا تفعل شيئًا على الإطلاق. علموها أن اللغة لا تنطق فقط، بل إنها تستهلك إشارات اليد أيضًا لتجيدها بروحها الكاملة. وهل هناك ما هو أصدق من إشارات الجسد وتعابيره؟ متعة قراءة انفعالات الناس في انبساط أياديهم وانقباضها؟
أنا ممتنة لإليزابيث الليلة لأنها قالت لي بإلهامها الخاص لا بأس في أن آكل، كل ما علي هو أن أستمتع بطعامي.
عندما انتقلت إليزابيث إلى الهند، والتقت بريتشارد في معبدٍ هناك، قال لها "تشعرين بفظاعة ما ارتكتبته ولا بأس، إن حياتك بفظاعة ما تشعرين في أوج التغيّر" ذكرني ذلك بأبشع مراحل حياتي التي عشت، وكيف كانت -رغم بشاعتها- نقطة مفصلية لتحوّل حياتي إلى دربٍ مختلف بطريقة ما. حتى الفشل يمكن أن يكون طريقًا للتحول، للتغير.
في خضم تجربتها في الهند، وعجزها عن التأمل في البداية، وتخبطها عن إيجاد الإلهام الصحيح التي تجد منه النفاذ إلى الرب، قد عرفت إليزابيث بأن الإله يشغل محلاً في دواخلنا كما نحن. ما كان عليها أن تصبح فتاة هادئة، متعبدة لتجده. كان في داخلها دائما، كما كانت أبدًا.
في رحلتها الأخيرة في مدينة بالي، علمنا الناسك الأندونيسي معها بأن القلب المكسور يعني بأنك قد حاولت شيئَا، أن جراحنا ليست أخطاء تستوجب الندم، بس محاولات تستوجب الرضا عن المحاولة.
لقد أخبرتنا إليزابيث في بالي بدرس عظيم حينما ساعدت تلك المرأة المطلقة وابنتها في شراء منزل، لقد قالت بأنهم عائلتها. وأنه يجب الاعتناء بعوائلنا أينما نجدهم. هذا صحيح، إن اعائلة ليست من نولد بها فقط، في كل بقعة من العالم، وفي كل زمان من لنا عوائل محتملة أخرى. أناس نجد فيهم الانتماء التام الذي ما حظينا به قط عن طريق الدم.
لقد كانت إليزابيث محظوظة في النهاية لأنها وجدت من يقول لها الشيء الصحيح قبل أن يتأخر الوقت تماما، لقد أنقذ الناسك بما قاله في المشهد الأخير الحب الذي كادت أن تلقيه بعيدًا تحت وطأة الجبن والخوف من البدء من جديد. ولسنا كلنا محظوظين بوجود الشخص الصحيح بالقرب عندما نحتاجه.

أختم ما وجدته في هذا الفيلم بعبرة قد تجعلنا ننظر لكل من فشلنا معهم يومًا بشكلٍ مختلف. "كل من تقابله في حياتك مُعلم" نعم، كل من نقابله يعلمنا شيئا، ليس بالضرورة لأنه يرشدنا، بل لأننا نستخرج من تجربتنا معه درسًا جديدًا.