الأحد، نوفمبر 17، 2013

لماذا نكتب؟

لماذا نكتب؟

يلح اليوم السؤال، وتبدو كل الأجوبة صحيحة. هو السؤال الذي لا يحتمل المنطقية في جواب، السؤال الذي أقسم على الحياة بحياة أخرى.
لطالما كانت الكتابة فعل حياة، وهكذا سمعت كل من يكتب يشي لنفسه بحياة ينقذ فيها نفسه من الموت الذي نعيشه خارج الورق. بالكتابة حجز كل منا مقعده في الخلود، وقررنا على أنفسنا ألا نمحى كعداد البشر. كان علينا أن نخرج من بشريتنا بالكتابة، أن نتحول إلى فكرة ومشاعر وحروف وكلمات مصفوفة أو مبعثرة ... لا يهم، المهم أن نخرج من عمر الإنسان الذي لا ينفك عن عداد النزول إلى حيث لا تموت الأشياء، في حضن الورق.

منذ بح صوتي في هذه البقعة الجافة من المآسي القدرية، عرفت أنه قد حان الوقت لأنتصف لصوتي وأبعثه في كيان آخر، وكان الورق المالس والأبيض، هذا الناعم الذي يحتمل وزن الكلام والبكاء والفرح وكل حالات الخشوع النفسية، هو أكثر الكيانات شبها بصوتي. هذا الورق الذي لا يدنس مهما تعدينا على بياضه بحلكة المحابر.
كان علي أن أكتب، لأكتشف بأني أولد من فروج الأقلام عارية نقية. لأصادق العالم على وجودي، أعلنت أن أكتب. وحتى إذا ما مرت السنوات على ذكري، وحتى إذا ما أضعت في منافي الحياة بقايا الشخص الذي كنت أريد أن أكونه، كان علي أن أكتب، وأقول للناس بأنني هنا على الورق حقيقية تماما، ناضرة عن شوائب العيش وضرائبه، آمنة من تهديد الأسلحة، وأفواه المجتمع التي تلوك العرايا الساذجين دون أدنى رحمة.

على كل واحد منا أن يواجه هيبة السؤال، وينبش في صدره عن إجابة، عن حياة أراد أن يحياها، حياة لم يعطها القدر تأشيرة مرور ولكنه غصبا صنعها لنفسه وبها.

لماذا نكتب؟
لأن الحياة سيناريو ناقص كان من الواجب علينا أن نتمه على ضفة أحلامنا المؤجلة في الأدراج، ولأن الأقلام علمتنا كيف نحيي في أصواتنا صخب الثورات، وكيف نبكي مرارا دون أن نفضح، وكيف نئن بعيدا ولا نثير امتعاض الآخرين بضخامة أوجاعنا.

الكتابة ممارسة نبيلة، وأنا أكتب؛ لأنتصف لنفسي المظلومة بعدالة أخرى، عدالة لا تعلق على رؤوس السيوف ولا تحضر في قاعات المحاكم.
أنا أكتب؛ لأن العيش هنا، في هذا الزمن، في هذه البلاد، وتحت وطأة ظروفي هذه، وخلف كل هذه الجدران الباهتة الموصدة عيش يحتسب من رصيد الموت لا الحياة، موت سابق لحياة لا ضمانة لي على مجيئها متأخرة، فكان علي أن أكتب، لأبرهن بحجة الكتابة التي لا تسقط ولا تبطل أنني كنت يوما هنا حية.

ليست هناك تعليقات: