الأربعاء، نوفمبر 20، 2013

في معنى تحرير المرأة.

لطالما صنف الرجل نفسه تاريخيا على أنه الأساس، والأعلى؛ وقرر من على عرشه الذي صنعه أن تكون المرأة أدنى منه، يحرم عليها ويشترط ما يشاء.

الأمر أشبه برق العبيد، غير أنه هنا رق للمرأة. فكما وجدت العنصرية اللونية ضد السود عبر تزكية البيض وتمجيدهم، وجدت العنصرية الجنسية ضد المرأة، وكما كان من الناتج عن عنصرية اللون، إسقاط إنسانية العبيد، وامتلاكهم، وإباحة دمهم، والتجارة بهم؛ فإن التمييز ضد المرأة تسبب فيقهرها وإلغاء أهليتها وسلبها الحق في ممارسة ما يمارسه الرجل.

وللأسف فإنه من الناتج عن طول هذه الممارسات تحولها من رق خارجي إلى رق نفسي ومعنوي لدى المضطهد، فقد استمر الكثير من العبيد في النظر بدونية لأنفسهم، واعتبار البيض أسيادا لهم؛ كما تسبب ذلك في غرس اعتقاد لا واعي لدى بعض النسوة بضعفهن ودونيتهن عن الرجل، وأنهن عورات كاملة، مسخرات لخدمة الرجل وإشباع رغباته السريرية.وتجد من النساء من تؤثر بسلبية أفكارها على أبناءها من خلال التمييز التربوي، أو حتى في تشكيل عائق أمام تحرر غيرها من النسوة حولها.

للأسف هذه السلوكيات العنصرية توارثتها الحضارات، ورغم أن النضج الثقافي والإنساني ارتقى بهذه المفاهيم وحد منها، إلا أنها مازالت موجودة لدى البعض من قبيل العادة والتقليد والجهل المعرفي.

لذلك مازال هناك قلة يعتقدون أن إنجاب الذكر فخر، وأنه الذي يحمل اسم عائلته ويرتقي بها، الخ من الترهات الأخرى،حتى أن البعض يمارسون هذه العنصرية لفظيا أو فعليا دون وعي، فيستخدمون لفظة : يا عبد، يا أسود، يا حرمة وغيرها، وكلها منطوية على التمييز والاحتقار.

إن ثورة المرأة خلال السنوات الأخيرة ساهمت بشكل كبير في الحد من هذه الممارسات، ورغم أن البعض من الجاهلين يرفعون أصواتهم ضد هذه الثورات ظانين أنها دعوة إلى الانحلال الجنسي فقط، إلا أن الصحيح أنه حينما نقول بأننا نطالب بتحرر المرأة، فإن ما يعنيه ذلك هو المطالبة بإلغاء التمييز الجنسي ضدها.

العري، في مفهوم فني.

الفن الأيروتيكي أعطى للعري مفهوما أنيقا، بعيدا عن الرخص وتسليع الجسد.
فبالرجوع إلى التاريخ الفني نجد أن الجسد كان لبنة أساس في حمل مدلولات متفاوتة بحسب البيئة الخارج منها هذا الفن، أو حتى بالتفاصيل الأخرى التي تأتي مصحوبة في مشهد الجسد.
لم يحتكر الفن الجسد لاستحضار الشبق والإغراء أو تصوير العشق الماجن، بل تعدى ذلك كله إلى مدلولات دينية، واجتماعية،و تصوير حي لحضارة وثقافة بعينها.
فإذا عرفنا التعري بمنظور ثقافي/ فني فإنه يتلخص في كلمة واحدة دقيقة هي "التجرد Nudity"
فقد افترض علماء الأنثروبولوجيا اليونانيين في الإنسان العري، وصنفوا الاحتشام دخيلا عليه، باعتبار أن الإنسان خلق عاريا، ثم اضطرته الظروف البيئية إلى صنع الرداء، قبل أن يستوعب المفهوم الأخلاقي فيه أو يتعرف عليه.
وقد ارتبط التعري أيضا عندهم بالعبادة، فكانوا يعتكفون في المعابد وهم عراة، وذلك على أساس أن الإله خلقهم كذلك.
وإذا ضيقنا الحديث وتطرقنا إلى الجسد من جوانب فنية بحتة، فإن الجسد دخل التصوير الفوتوغرافي باعتباره عنصرا من الجماد، ثابتا عند اللقطة، وكثيرا ما اهتم المصورون بتصوير الجسد مجردا من الشخصية الإنسانية بعينها حتى لا يؤثر بالشخص على روح المعنى في العمل.
ومن أبرز المصورين الذين عرفوا في مجال التصوير الأيروتيكي Ruth Bernhard و Edward Weston.

وقد لوحظ إفراط استخدامهم لجسد المرأة قديما أكثر من الرجل، لأنهم يرونه الجسد الأكثر صراحة وجمالا، إلا أن الفوتوغرافيا الحديثة خرجت عن هذا الإطار، واستخدمت جسد الرجل أيضا كمحرك فني أساسي.

وحين نتحدث عن الجسد في فن النحت، فإننا نجد أن منحوتات الجسد على امتداد الحضارات منطوية على شعارات دينية وعقائدية، فكثيرا ما صورت الألهة في تماثيل عارية تخليدا لأسطورتها وقداستها.
ولم يخرج الرسم بعيدا عن هذه المفاهيم.إن تطرقنا للموقف الاجتماعي من فن الجسد، فلابد أن نذكر أن الاعتقاد الديني يأتي مؤثرا بالدرجة الأولى على هذا الموقف، فكما رحب اليونانيون بالتعري استنادا على فكرة دينية وهي خلق الإله لهم عراة، فإن الكنائس الكاثوليكية في أوروبا قد حاربت قديما هذا الفن باعتباره فسق وفجور، إلا أنها تحررت مع التقدم الحضاري والثقافي لعموم الشعب من هذا الصد.

إن اتجهنا للمجتمع العربي، فإننا قد نجد حتى اليوم وجود هذه الحساسية تجاه تصوير الجسد بسبب سيطرة العقائد الدينية على الرؤية الثقافية أيضا.
إلا أنه بالحديث عن العرب، يجب أن نتذكر معرض الفن التشكيلي الذي أقيم في معهد العالم العربي في باريس عام 2012، وكان عنوانه "الجسد المكشوف" يهدف من خلاله فنانون عرب في الخروج بالجسد من المفهوم العربي السائد، وهو هدف تحرري وليس استفزازي كما صنفه بعض المحافظين.
تعرضت الأعمال المطروحة في حينه إلى الجسد في كافة حالاته، من المعاناة والألم، إلى اللذة والنشوة، ولم تغفل الأعمال شفافية طرح وضع المرأة المهمشة والمعنفة في العالم العربي بوجه خاص.من أبرز الأعمال في هذا المعرض، الفيديو القصير للفنان عادل العابدين، الذي مرر فكرة تهميش المرأة وتعنيفها بين لا مبالاة رجلين.

 https://www.youtube.com/watch?v=drSa9ZKadSg&feature=youtube_gdata_player

إن أردنا أن نستشف المعنى من خلال الجسد أو التعري فلابد أن ننظر له نظرة متأمل متجردة من الأحكام الأخلاقية أو الدينية الحادة والإقصائية، فالعري يحتمل أبعادا أخرى نبيلة وثورية، كما عبرت الفنانة التشكيلية هالة الفيصل عن احتجاجها على الحرب بتعرية جسدها، وكما فعلت الشابة المصرية علياء المهدي بنشر صورها عارية على مدونتها من منطلق التمرد على القيود، وإعلان الحرية.

عن الجسد: ما بين الروح والفضيلة.

الحديث عن الجسد عميق جدا، ممتع ومغري، ومخيف أحيانا لما يحتمله من خبايا.
أول الأفكار التي عرقلت علاقة الإنسان بجسده هي ارتباط الجسد بالخطيئة، وربط الروح بالفضيلة، هذه الفكرة التي صنعت علاقة عدائية بين الروح والجسد، والتي جعلت الإنسان يهمل جسده أو يتوجس منه بدافع الفضيلة
والواقع أن الجسد شيء لا يمكن فصله عن الروح، لأنهما مكونان أساسيين لذاتك الإنسانية .. التناغم هو ما يفترض بالعلاقة بين الروح والجسد أن تكون عليه.
أن ترتقي بروحك فإنه ولابد أن ترتقي معها بجسدك، فجسدك صورة معلنة عن عمق هذه الروح.
حين نتحدث عن الجسد، يجب ألا يفوتنا أن الجسد ليس مجرد واقع طبيعي أو مادة حية، فالجسد يحتمل بعد آخر هو المفهوم الاجتماعي للجسد.
وهذا المفهوم يؤثر على علاقة الإنسان بجسده، ولهذا نجد أن العلاقة شائكة بين المرأة وجسدها بوجه خاص في العالم العربي، بسبب المفهوم العرفي الاجتماعي في تصنيف جسدها على أنه "عورة".
علاقة النساء بأجسادهن مهملة، وكلما دخلت في مجتمع أكثر تحفظ على أجساد النساء، وجدت العلاقة بينهما مهملة أكثر.
نحن كشعب عربي خاصة نفتقر إلى ثقافة الجسد، وفلسفته .. وعلاقتنا به سطحية، لا أبعاد للتصالح والتناغم فيها.

لتخلق علاقة حميمية بجسدك عليك أن تتجرد من التصورات الاجتماعية التي تنصب ضده، اكتشف جسدك، اقرأ عنه، افهمه، افهم رغباته لتحبه.
ستحترم جسدك حين تدرك عمق ما ينطوي عليه، حين تعترف بأنه مادة غير منفصلة عن كيانك.
علاقة الإنسان بجسده تظهر عبر تدليله لهذا الجسد، والعناية به، فالصحة الجسدية و النظافة الشخصية من أهم مقومات علاقة الإنسان بجسده.
أيضا من المهم أن تتصالح مع "شكل" جسدك، والطبيعة التي خلق عليها .. وألا تسمح لأحكام الناس القاصرة والظالمة بالسيطرة على نظرتك اتجاهه.
أحب جسدك ببساطة، شكلا ومضمونا.

الأحد، نوفمبر 17، 2013

لماذا نكتب؟

لماذا نكتب؟

يلح اليوم السؤال، وتبدو كل الأجوبة صحيحة. هو السؤال الذي لا يحتمل المنطقية في جواب، السؤال الذي أقسم على الحياة بحياة أخرى.
لطالما كانت الكتابة فعل حياة، وهكذا سمعت كل من يكتب يشي لنفسه بحياة ينقذ فيها نفسه من الموت الذي نعيشه خارج الورق. بالكتابة حجز كل منا مقعده في الخلود، وقررنا على أنفسنا ألا نمحى كعداد البشر. كان علينا أن نخرج من بشريتنا بالكتابة، أن نتحول إلى فكرة ومشاعر وحروف وكلمات مصفوفة أو مبعثرة ... لا يهم، المهم أن نخرج من عمر الإنسان الذي لا ينفك عن عداد النزول إلى حيث لا تموت الأشياء، في حضن الورق.

منذ بح صوتي في هذه البقعة الجافة من المآسي القدرية، عرفت أنه قد حان الوقت لأنتصف لصوتي وأبعثه في كيان آخر، وكان الورق المالس والأبيض، هذا الناعم الذي يحتمل وزن الكلام والبكاء والفرح وكل حالات الخشوع النفسية، هو أكثر الكيانات شبها بصوتي. هذا الورق الذي لا يدنس مهما تعدينا على بياضه بحلكة المحابر.
كان علي أن أكتب، لأكتشف بأني أولد من فروج الأقلام عارية نقية. لأصادق العالم على وجودي، أعلنت أن أكتب. وحتى إذا ما مرت السنوات على ذكري، وحتى إذا ما أضعت في منافي الحياة بقايا الشخص الذي كنت أريد أن أكونه، كان علي أن أكتب، وأقول للناس بأنني هنا على الورق حقيقية تماما، ناضرة عن شوائب العيش وضرائبه، آمنة من تهديد الأسلحة، وأفواه المجتمع التي تلوك العرايا الساذجين دون أدنى رحمة.

على كل واحد منا أن يواجه هيبة السؤال، وينبش في صدره عن إجابة، عن حياة أراد أن يحياها، حياة لم يعطها القدر تأشيرة مرور ولكنه غصبا صنعها لنفسه وبها.

لماذا نكتب؟
لأن الحياة سيناريو ناقص كان من الواجب علينا أن نتمه على ضفة أحلامنا المؤجلة في الأدراج، ولأن الأقلام علمتنا كيف نحيي في أصواتنا صخب الثورات، وكيف نبكي مرارا دون أن نفضح، وكيف نئن بعيدا ولا نثير امتعاض الآخرين بضخامة أوجاعنا.

الكتابة ممارسة نبيلة، وأنا أكتب؛ لأنتصف لنفسي المظلومة بعدالة أخرى، عدالة لا تعلق على رؤوس السيوف ولا تحضر في قاعات المحاكم.
أنا أكتب؛ لأن العيش هنا، في هذا الزمن، في هذه البلاد، وتحت وطأة ظروفي هذه، وخلف كل هذه الجدران الباهتة الموصدة عيش يحتسب من رصيد الموت لا الحياة، موت سابق لحياة لا ضمانة لي على مجيئها متأخرة، فكان علي أن أكتب، لأبرهن بحجة الكتابة التي لا تسقط ولا تبطل أنني كنت يوما هنا حية.